
في مشهدٍ مؤسفٍ لا يمتّ للمهنية والانضباط العسكري بأي صلة، بدأت تنتشر في الآونة الأخيرة ظاهرة خطيرة ومرفوضة أخلاقيًا وتنظيميًا، وهي قيام بعض الضباط بتصوير منتسبيهم أثناء غفوتهم في الواجب، ثم نشر تلك المقاطع على منصات التواصل الاجتماعي وكأنها “بطولات رقمية” لا تتعدى كونها فضائح داخلية مغلفة بحب الظهور والاستعراض.
إن هذا السلوك لا يُظهر الحرص والانضباط كما يتوهم فاعلوه، بل يكشف عن خللٍ أخلاقيّ وقياديّ فادح، إذ أن القائد الحقيقي لا يفضح جنوده، بل يُقوّمهم، ويحمي هيبة المؤسسة الأمنية، ويصون كرامة المنتسب الذي أفنى ليله ونهاره في خنادق الخدمة.
فهل نسي هؤلاء الضباط أن المسؤولية تبدأ من القمة؟ هل نسوا أن النوم أثناء الواجب أحيانًا هو عرض لخلل في منظومة القيادة والتنظيم والتوزيع العادل للمهام؟ وإن كانت هناك حالة تقصير، فهل تُعالج بالفيديوهات، أم بالتوجيه والانضباط وفق السياقات العسكرية المتّبعة؟
وما الفائدة من نشر هذه المقاطع سوى تشويه صورة المؤسسة الأمنية، وزرع الشك في نفوس المواطنين، وإضعاف هيبة رجل الأمن؟ أليس الأولى أن تُرفع التقارير رسميًا، وتُعالج المشاكل داخل الأطر القانونية والانضباطية؟
نحن بحاجة إلى قادة ميدانيين يُعالجون الخطأ بالروح العسكرية، لا بـ”الكاميرا الفضائحية”. نريد ضباطًا يصنعون رجالات لا مقاطع، ويزرعون الثقة لا الهزء، ويؤمنون أن العسكرية شرف ومسؤولية، لا منصة للترند والمشاهدات.
كفى عبثًا بسمعة المؤسسة، وكفى طعنًا في ظهور من يحملون السلاح دفاعًا عن الوطن. فالكرامة العسكرية لا تُمس، والمهنية لا تتجزأ، والقيادة لا تتخلّى عن أبنائها في لحظات الضعف.