“مشاهير العراق بين الشهرة الزائفة وتضليل الوعي الجمعي”

بانيقيا نيوز1 أبريل 2025
علي الحسيني
علي الحسيني

في زمن تحكمه الخوارزميات ويقوده ضجيج “الترند”، لم تعد الشهرة دليلًا على التميّز، ولا النجاح مرآةً حقيقية للكفاءة أو القيمة. بل صارت المنصات الرقمية مسارح مفتوحة لكل من يهوى الصراخ، والتفاهة، والظهور بأي وسيلة، مهما كانت رخيصة أو مُبتذلة. وهنا، تطل علينا أزمة خطيرة من بين أنقاض الوعي العراقي: مشاهير لا نعرف لماذا هم مشاهير.
حين نتمعّن في خارطة ما يُعرف بـ”المؤثرين” العراقيين، نصاب بالدهشة، بل بالصدمة. من هؤلاء؟ ما الذي قدّموه؟ ما الرسالة التي يحملونها؟ وعندما نحاول سبر أغوار هذه الظاهرة، نجد أن الجواب يختبئ خلف جدار هشّ من المتابعين الصغار والمراهقين، الذين رفعوهم فجأة إلى قمة الاهتمام، لا لشيء سوى لأنهم وجدوا فيهم تسلية سطحية، أو لهجة مستفزة، أو تحديات غريبة، أو حتى سلوكيات لا تمتّ للأخلاق بصلة.
نحن اليوم نواجه ظاهرة “مشاهير الصغار”، لا من حيث أعمارهم، بل من حيث جمهورهم ومحتواهم. هؤلاء لا يرتقون إلى أن يكونوا قدوات أو نماذج يُحتذى بها، بل يتحولون –للأسف– إلى أدوات تافهة تُعيد إنتاج التفاهة، وتُغذّي أجيالًا على فكر هشّ، وخيال معطوب، وإدراك مشوّه لما تعنيه كلمة “نجاح”.
لا مشكلة في أن يُضحك الناس أو يُرفّه عنهم، لكن المشكلة تبدأ حين تصبح هذه “المواد الفارغة” هي الأكثر تأثيرًا في وجدان المراهقين، فينشأ جيل يقيس قيمته بعدد المشاهدات، ويتصور أن “الصراخ والتهريج” طريق إلى المجد.
أين الخلل؟ فينا نحن الكبار، في المؤسسات التربوية، في الإعلام، في الآباء، في المدرسة، في النخبة الصامتة، في الجهات الرقابية النائمة. تركنا الساحة فارغة، فملأها من لا يستحق. وللأسف، تدفع الأجيال القادمة الثمن، من وعيها، من أخلاقها، من مستقبلها.
إن إعادة التوازن تبدأ من إعادة تعريف الشهرة، ومن إعلاء شأن أصحاب الفكر، والعلم، والثقافة، والفن الحقيقي، والإبداع الأصيل. فلنرفع من قدر من يستحق، ولننزل من المنصات من لا يملك من القيمة سوى “الترند”.
ففي النهاية، المجتمعات لا تنهض بمشهور يرقص، بل بمفكر يوقظ، وبمعلّم يُلهم، وبقائد يزرع الأمل في العقول قبل القلوب.

الاخبار العاجلة