
بقلم: علي الحسيني
في المشهد الأخير من هذه الجولة النارية بين الجمهورية الإسلامية في إيران، والكيان الصهيوني المسنود بدعم أمريكي وغربي صريح، ظنّ البعض أن الهجوم الشامل سيكون نهاية، فإذا به بداية لتحول جيوسياسي عميق، سيكتب عنه المؤرخون طويلاً تحت عنوان: “حين اجتمعت أمم الشر… وخرجت إيران واقفة”.
—
أولًا: ضربة بحجم الزلزال.. ولكن لم تهز الجبل
ما إن انطلقت أولى الضربات حتى خُيِّل للعالم أن ساعة الانهيار قد دنت. استهدفت آلة الحرب الإسرائيلية-الأميركية مواقع استراتيجية في عمق إيران، بضربات يُقال إن سعتها تكفي لإسقاط عواصم وانهيار جمهوريات.
لكن الجمهورية الإسلامية ليست كغيرها من الدول، فقد تأسست بالعقيدة، وشُيّدت بالإيمان، وصُمّمت لتصمد.
وبالفعل، خلال ساعات فقط، استوعب النظام صدمة الضربة، أعاد ترتيب صفوفه، وبدأ الرد القاسي المنظم، لا الانفعال المتخبط.
هنا، ظهرت ملامح دولة ليست فقط صامدة، بل قادرة على إملاء إيقاع المواجهة وفق شروطها.
—
ثانيًا: خسائر الكيان.. جحيمٌ تتكتم عليه تل أبيب
رغم الرقابة الإسرائيلية المحكمة، تسربت ملامح المأساة: منشآت اقتصادية ضربت، مراكز طاقة تعطلت، قطاعات استراتيجية أُصيبت بالشلل، وشعب هارب مذعور يبحث عن مخرج من الجحيم.
كان الرد الإيراني مركزًا، نوعيًا، عميقًا، يضرب “مفاصل القوة لا سطحها”، ويبعث رسالة للعالم: هذه ليست إيران ما قبل الحرب، بل إيران ما بعد الكرامة.
حتى إن وزيرة الداخلية الصهيونية اضطرت إلى إصدار بيان تمنع فيه السفر الجماعي من “إسرائيل”، خشية أن ينفضّ جمهور المشروع.
—
ثالثًا: ترامب… رجل “اللحظة الخاطئة” في المكان الخاطئ
دخل ترامب المشهد مترددًا، متثاقلاً، مدفوعًا من خلفه بلوبيات الضغط الصهيونية، وليس برغبة ذاتية.
أراد أن يبدو قويًا، فانتهى به الحال كمتدخل متأخر في حريق لا يستطيع السيطرة عليه.
ضرباته كانت شكلية، لا تصعيدية، أشبه بمن يُمسك العصا من الوسط؛ يُرضي تل أبيب دون أن يورّط واشنطن.
وفي لحظة هزل سياسي، اقترح أن تُعلن إيران وقف إطلاق النار قبل “إسرائيل” بساعات، حتى يمنح نتنياهو فرصة تسويق نصرٍ كاذب أمام جمهوره المترنح.
لكن الحقيقة سُرّبت كما هي:
نتنياهو اتصل بترامب طالبًا تدخل قطر، وترامب توسّط… والرابح خرج من طهران، لا من واشنطن.
—
رابعًا: من رحم النار يولد المجد.. إيران ترسم مستقبل الشرق
بعد توقف المعركة الآن – فإن الجمهورية الإسلامية تكون قد:
1. واجهت حربًا ثلاثية الرأس (صهيونية – أميركية – أوروبية)، وخرجت منها بقدرتها على إطلاق النار حتى اللحظة الأخيرة، دون أن تهتز أركان الحكم أو تتراجع يد المقاومة.
2. رسّخت شرعية داخلية غير مسبوقة؛ فالناس رأوا بأعينهم أن نظامهم لم يساوم، لم ينحنِ، لم يخشَ الصواريخ، بل واجه وصدّ وردّ، وبهذا تكوّنت شرعية الدم والشرف والسيادة.
3. فرضت حضورها الإقليمي كقوة لا يمكن تجاوزها، بعد أن كانت بعض العواصم تحاول تصويرها كـ”مشكلة”، فإذا بها اليوم تتحوّل إلى “معادلة”.
4. أحيت الشعارات التي حاول البعض طمسها؛ فشعار “الموت لإسرائيل” لم يعد هتافًا في مسجد أو حُسينية، بل صار صاروخًا يدوّي فوق تل أبيب.
5. كسبت القلوب قبل أن تكسب المعركة؛ إذ تعاطف معها الشارع العربي والإسلامي، خصوصًا مع استمرار المجازر في غزة، ورأى فيها من لا صوت لهم، “صوت الردع”.
6. منحت جبهة المقاومة دعمًا نفسيًا ومعنويًا كبيرًا؛ من لبنان إلى اليمن، من العراق إلى سوريا، شعر المقاومون أن العمق الاستراتيجي لهم ليس حليفًا فقط، بل درعًا وسيفًا.
—
خاتمة بلون العز:
في الوقت الذي كانت فيه أميركا تراهن على “سقوط سريع”، خرجت إيران من ساحة الحرب أكثر صلابة، أكثر حضورًا، أكثر شرعية، وأكثر فخرًا.
لقد انتصر المشروع… وانتصر الدم على السيف، والعقيدة على الطائرات، والحق على الغطرسة.
وما بعد هذه الجولة، لا حدود لتمدد إيران… لا في الجغرافيا فقط، بل في الوجدان.
